الجمعة، 15 يونيو 2012

طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لــ عبدالرحمن الكواكبي


وهي كلمات حق ، وصيحة في واد
إن ذهبت اليوم مع الريح... قد تذهب غدا بالأوتاد ؟!

عن الاستبداد يتحدث  بكل صوره وكل أشكاله ..
ليس قصرا علي أمة دون أمة وإنما يسرد الصور وفي النهاية يورد الحلول
تفكير سابق لزمنه ونظرة استقراء للواقع والمشاهد تجعلك تنبهر بفكر المؤلف.

وقبل أن نبدأ بسرد الكتاب نتحدث اولا عن المؤلف .
إذا رغبت في معرفة سيرة حياته فعندك العديد من المواقع التي تحدثت عنه هنا سنتحدث أكثر عن فكره ذلك الرجل الشامخ الذي لم ينحنِ لسلطة ، تعرض للمضايقات كثيرا وأغلقت له عدة صحف ولكنه أكمل مسيرته .
 أمضى الكواكبي حياته مصلحاً وداعياً إلى النهوض والتقدم بالأمة العربية وقد شكل النوادي الإصلاحية والجمعيات الخيرية التي تقوم بتوعية الناس وقد دعا المسلمين لتحرير عقولهم من الخرافات وقد قسم الأخلاق إلى فرعين فرع أخلاقي يخدم الحاكم المطلق وفرع يخدم الرعية أو المحكومين ودعا الحكام إلى التحلي بمكارم الأخلاق لأنهم الموجهون للبشر، ودعا إلى إقامة خلافة عربية على أنقاض الخلافة التركية وطالب العرب بالثورة على الأتراك وقد حمل الحكومة التركية المستبدة مسؤولية الرعية.

اما الكتاب :
الكتاب يقع في تسعة فصول
الفصل الأول عن ماهية الاستبداد ؟
فكيف يتحدث عن الاستبداد دون بيانه ؟؟!! 
ويورد فيه عدة تعريفات تعد كلها صواب فمعظمها تدور في فلك واحد ويشملها قوله " تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة " ومن ثم ينتقل إلي أشكال الحكومات من خلال واقعه المعاش فيتكلم عن الحكومة في البدو والحكومة في الحاضرة والحكومة في الشرق واختلافها عن الحكومة في الغرب .

الفصل الثاني الاستبداد والدين .
وفيه يتحدث عن استغلال المستبدين للدين أحيانا في تبرير استبدادهم من خلال اقتطاع بعض الكلمات من سياقها وإشاعتها علي أنها حِكم السابقين وخلاصة تجاربهم !! أو عن طريق تفسيرها تفسيرات خاطئة ، أو بالحث علي الصبر علي الظلم وغيره عن طريق استغلال بعض المنافقين من الدعاة الذين اتخذوا الدين وسيلة لتبرير أهوائهم ؛ ففرعوا الدين وشوشوا وشددوا وادخلوا فيه ما ليس منه فجعلوه دينا يكاد يكون جديدا عما انزل كما يقول "اللهم إن المُستبدين و شركائهم قد جعلوا دينك غير الدين الذي أنزلت ، فلا حول و لا قوة إلا بك"

الفصل الثالث الاستبداد والعلم .
كيف ينشر المستبد العلم وهو حريص علي قمعه ليستمر استبداده ؟؟
هل ينشر العلم ليخلق مجتمعا عالما متعلما يعرف مساوئ المستبد ليقاومه؟
إن الجهل هو الظلام الذي يجعل المستبد يفعل ما يريد وهو عالم بأن لا أحد يرى ما يفعل.
وأكثر ما يخافه المستبد من العلوم هي علوم الحياة مثل الحكمة النظرية والفلسفة والسياسة والخطابة الأدبية لما لها من توسعة في العقول والنفوس أما العلوم الدينية المتعلقة بالمعاد فهي لا تهمه بقدر كبير فهي لا ترفع غشاوة لأنها تتحدث عن النهاية وانتظار الجزاء بما يجعل قومه يهتمون بآخرتهم دون النظر إلي ما يفعل ولا يهتم بأمور اللغة نفسها المهتمة بتقويم اللسان وإنما يرتعب بما يتعلق منها بحماسة أو سحر بيان يوقظ المستعبدين من سباتهم.

الفصل الرابع في الاستبداد والمجد.
كيف يستغل المستبد ذوي المجد من قومه ليرسخ استبداده ؟
هو لا يقضي عليهم وإنما يحاورهم ويناورهم يجعلهم دونه ومسيطرا عليهم ليدينوا له ويكونوا طوع بنانه .
يسبغ عليهم من صيغ التمجد الكاذبة ليدينوا له بالولاء فهذا ( بك) وهذا ( باشا ) وهذا ( لورد ) ومناصب كاذبة منتفخة ليس فيها إلا مظاهر كاذبة ، يستبدل مجد ذويهم البائد بتمجدهم الزائف لكي لا يجعل من أفاضل الناس أحدا ينازعه في الأمر .

الفصل الخامس المستبد والمال.
والمال هو كل ما ينتفع به في حياة الناس وفي ظل حكم المستبد لا أحد يأمن علي ماله سواء من المستبد  أو من أعوانه فالجميع يسرق ممن هو أسفل منه إما بصيغة واضحة من خلال السلب والنهب أو من خلال صيغ أخرى كالضرائب  وغيرها ويلاحظ المؤلف شيئا آخر أن الاغنياء وإن كانوا من مناهضي الاستبداد فكرا فهم أيضا من أوتاده عملا فالفقير لا يملك شيئا ليُسلب إياه وإنما يتحبب إليهم المستبد أحيانا ببعض الأعمال ليرضوا عنه فهم في غضبتهم ذوي غضبة جارفة فماذا يفقدون وهم لا يملكون شيئا ؟ أما الاغنياء فهم منافقي المستبد يراضونه ليبقي علي أموالهم وفي نفس الوقت ليعطيهم الفرصة بالسلب ممن هم دونهم لتعويض خسائرهم في مراضاته .

الفصل السادس الاستبداد والأخلاق.
إذا كان رب البيت بالدف ضارب ... فإن شيمة أهل البيت الرقص
إذا كان المستبد من أسافل القوم وأحقرهم فكيف يكون قومه ؟؟ غنه مجتمع لا يترقى فيه إلا الأسافل لا يكون علي قمته الا المنافقين والكاذبين المتلونين .
أما باقي القوم فإن أخلاقهم تفسد لأن القائم علي الأخلاق هي الحكومة المستبدة فكيف تصلح ما هي فاسدة فيه ؟؟؟

الفصل السابع الاستبداد والتربية.
ويقال فيه ما قيل في الأخلاق فكلاهما صنوان لا يفترقان .
فالتربية ملكة لا تصلح إلا بوجود البيئة المساعدة لها من وجود المربين وصلاح الدين والأخلاق . فكيف تحسن وكل هذا قد فسد بفساد المستبد ؟
وهنا الفرق ما بين الأمة التي أكل الاستبداد مآثرها وما بين الأمة التي تعيش في  الحرية ، فالأولي تجد اهلها خاملون لا يفعلون شيئا بانتظار أن يأتي أجلهم ليذهبوا إلي الآخرة فيجازوا بالنعيم الذي وعدهم به دعاة النفاق وفاقا لصبرهم علي الظلم ، باطن الأرض أحب إليهم من ظهرها ، أما الثانية فتجدهم في كل ميدان يجولون يحرصون علي العلو والسبق فعلو أمتهم هو علو لهم .

الفصل الثامن الاستبداد والترقي.
الحركة هي سنة الكون والتغير هو أساسه.
ولكن مدمني الاستبداد قد فسد لديهم كل ذوق وخلق مساكين لا حراك فيهم ، هم إلي الأموات أقرب يحتاجون من يوقظهم وها هنا ينادي المؤلف قومه فردا فردا من خلال نداء كبير عسى نائمهم يستيقظ فهل من مجيب ؟

الفصل التاسع في القضاء علي الاستبداد
من خلال خمسة وعشرين مبحثا عاما أوردها المؤلف
هي أسئلة واقتراحات تطبقها علي مجتمعك باختلاف طبيعته ومنه تقضي علي الاستبداد ملخص تلك المباحث هي الدولة المدنية ، دولة المؤسسات القائمة علي الديمقراطية .

الكتاب في المجمل أكثر من رائع أفكار واضحة ومحددة واستقراء رائع لطبيعة المجتمعات مع الفاظ هي للسهولة أقرب .
وفي النهاية يختم الكواكبي أمره لكل ذي عقل فيقول "هل خلق الله لكم عقلاً لتفهموا به كلّ شيء، أم لتهملوه كأنّه لا شيء؟" فلكل ذي عقل أن يتدبر ...